قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “كان ينهى عن قيل وقال”، أي: كان النبي ﷺ ينهى عن كثرة الخوض في الكلام الذي لا يغني، لا في الحرام فحسب، بل حتى في المباح إذا خلا من نية صالحة، ولم يُرد به وجه الله ولا الدار الآخرة.
وفي زماننا، ما أكثر “القيل والقال”!
مجالس طويلة، وأحاديث متشعّبة، كثيرٌ منها لا يحمل هدفًا، ولا تحفّه نية، وربما تمضي الساعات دون أن تُذكر فيها آية، أو يُصلّى فيها على النبي ﷺ.
ومن أعظم ما يعصم المسلم من الغفلة في هذه المجالس: أن يُوطِّن نفسه ألا يجلس إلا في مجلس ينتفع به؛ يتعلم أو يعلّم، يواسي أو يؤنس، ويقصد بذلك وجه الله.
فإن اضطرّ لحضور مجلس يغلب عليه اللغو، فليختصر مدته، وليُدرج فيه ذِكرًا لله أو صلاةً على النبي ﷺ، فإن هذا كفيل بأن يرفع الإثم عنه ومن حوله، لقول النبي ﷺ:
“ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً” [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
وقد يسأل البعض:
هل يمكن أن يكون الكلام المباح عبادة؟
الجواب: نعم، إذا صلحت فيه النية.
كلامك مع أهلك، وأصدقائك، وأولادك، إذا قصدت به الإيناس أو التعليم أو التوجيه، فهو مما يُرجى به الأجر، وهذا من دقائق فقه النية. وقد عبّر عن هذا المعنى معاذ بن جبل رضي الله عنه بقوله:
“أما أنا، فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي”.
بل حتى مجالس صلة الرحم – وإن لم تخلُ أحيانًا من بعض “القيل والقال” – إن دخلها المرء بنيّة القُربى، وخفّف مدتها، وراعى فيها الله، كانت له في ميزان الحسنات بإذن الله.
ومن قال: “لا أستطيع أن أذكّرهم بالله، فالمجلس رسمي أو تغلب عليه المجاملة”، نقول له:
اجعل المجلس عابرًا، واختصره، واسقه بذكر، أو نوِّه بنيّة، حتى لا يكون حسرةً عليك يوم القيامة.
فكل مجلس من عمرك، وكل ساعة من وقتك، لا يحول بينك وبين أن تُكتب لك إلا نيتك، وهي لا تكلّفك شيئًا…
فاختر لنفسك ما يُكتب.
منقول بتصرف